بسم الله الرحمن الرحيم.. رمضان الحبيب الغالى .. تمهّل علينا قليلا .. فقد كنا بالأمس ننتظرك ونرجو الله أن يلحقنا بك لنتشرف بمُصاحبتك وجوارك وأنسك وجمالك.
فأكرمنا الله وأستجاب لنا رأفة بنا ورحمة فبلّغنا إياك , ثم ما أن لبثت فينا قليلا حتى وجدناك تسرع الخطى لتصل إلى نصف زمنك ..
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خٌطاك ؟؟؟
أمحزون أنت على الصومال الحبيب ؟
لاتحزن رمضان الحبيب ..
فالصومال منا ونحن منهم ..
آلامهم آلامنا ومرضهم مرضنا وحاجتهم حاجتنا ..
نبشرك رمضان الكريم بأن المسلمين ماقصّروا مع إخوانهم فى الصومال .. فقد دعوا لهم – ومازالوا – بأن يرفع الله عنهم البلاء وأن يطعمهم ويسقيهم ويرحمهم وينزل عليهم سحائب الخير والرحمة والتثبيت والفرج من الأزمة .
نبشرك يارمضان الحبيب أن أمة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم هى أمة الخير بل خير أمة أخرجت للناس , فقد طهّروا أموالهم ولو بالقليل ومنحوها لهم , فالمسلمون بخير لم يبخلوا ولم يتكاسلوا ولن تهدأ أنفسهم إلا بعد أن يزيح الله همّ الصومال ومحنتها .
ماذ فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خُطاك ؟
فالقرآن ألفناه وصاحبناه وعرفناه وقرأناه واستمتعنا به , وبدأت القلوب ترتاح لأحكامه وتنهض بأخلاقه فَصَهَرَنا القرآن ودرّبنا على تعلّم الكثير من الآداب والأخلاق فأمسكنا الألسن وغضضنا البصر وترقق القلب .. وعلمنا أن خلاصنا بالقرآن ورواجنا بالقرآن وسعادتنا بالقرآن ونهضة أمتنا لن تكون إلا بالقرآن .. فتمهّل علينا أيها الحبيب نريد أن نستزيد له فهما ونستشفى به شفاءا ونتنور به نورا ونتخلق به أخلاقا ونتمسك به منهجا ..
تمهّل قليلا .. فهو الذى قد نزل فيك فزدت به شرفا وفخرا , واجتمعت الخيرات كلها فيك , خير نزول القرآن فيك وخير ليلة قدر شريفة عظيمة وخير رحمة وخير مغفرة وخير عتق من النيران .
أبَعد هذه الخيرات التى ميّزك الله بها نراك مُصرّا على إسراع الخُطى ... مهلا رمضان .. لاتحرمنا خيراتك .
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك ؟
فلذة التراويح أمتعتنا وكثرة الركعات أراحتنا ومزيد السجدات رفعتنا وطول الوقوف بين يدى الله أنسانا دنيانا ومشاغلنا .
فلماذا تسرع الخطى ؟
تمهّل أيها الحبيب فتراويحك جميلة فيها الراحة . ومعها السعادة وبها تتميز أيها الشهر الحبيب .
تمهل ولو قليلا فقد عشقنا سماع قول الامام يصدح : صلاة القيام أثابكم الله .
كلمات دغدغدت آذاننا , وأطربت مسامعنا , ولاندرى ماذا نفعل اذا رحلت وأسرعت خطاك ؟
وصفوف المصلين فى التراويح تتزاحم والأكتاف تتلاحم والأقدام تلتصق والخشوع يهيمن والرحمة تتنزل والجنة أمام الأعين تتمايل , أعيننا فى موضع السجود وقلوبنا فى سبحات الله وأيدينا فوق الصدور وأرجلنا تتثبت لاتريد الخروج من الصلاة حتى تفوز بدعاء الامام ليختم به تراويحنا.
فيدعو ونؤمن ويرجو ونطلب ويرفع الأكف ولاينتهى من الدعاء الا بعد أن نكون قد استشعرنا اجابة الدعاء وانفتاح السماء وقبول الرجاء ولم لا ؟ وهو صاحب العظمة وصاحب الجود والعطاء .
تمهّل أيها الحبيب .. فأين نجد فى غيرك من الشهور تراويحاً ..
اللهم أجرنا فى مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها .
ماذ فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك ؟
فوالله إن حروف إسمك من ذهب فأنت رمضان ...
راؤك رحمة وميمك مغفرة وألفك أمن وأمان ونونك نجاة ونجاح .
لماذا تسرع الخطى ؟ ونحن قد استشعرنا رحمة ربنا ولمسناها فى أمور كثيرة ونرجو دوامها والفوز دائما بها .
لماذا تسرع الخطى ؟ ونحن قد زاد طمعنا كل ليلة فى مغفرة ربنا وكلنا فيه ثقة وكلنا نظن فيه الظن الحسن ولم لا وهو القائل : أنا عند ظن عبدى بى .
لماذا تسرع الخطى ؟ ونحن قد وجدنا فى أنفسنا أمانا جَعلنا نرجو ربنا وندعوه أن يعم به على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين .
لماذا تسرع الخطى ؟ ونحن قد تلمسنا نجاحا وتوسمنا فى ربنا نجاة من نيرانه ومن عذابه ومن خزيه.
ماذا فعلنا بك أيها الحيب حتى تسارع خُطاك ؟
ونحن الذين تعايشنا فيك مع المقصد العظيم منك وهو التزود بالتقوى .
فأنت الهُدى للمتقين وانت الهدى للسالكين وانت الطريق لأصحاب الميامين .
مهلا نريد أن نعيش حياة فيك مع التقوى التى جمّلَها أمام المتقين عليا رضى الله عنه وأرضاه بقوله :
التقوى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .
أمهلنا ايها الحبيب نريد أن نوثّق خوفنا من الله نريد أن ننتهى عما نهانا ونتدرب على برنامج الخوف من الجليل .
أمهلنا أيها الحبيب نريد أن نعمل بتنزيل ربنا بقرآنه العظيم الذى نزل فيك , أمهلنا قيلا نعيد ختمه ونتشرب معانيه ونتزود بأخلاقه .
أمهلنا أيها الحبيب نريد أن نتدرب فيك على أن نقنع بما يعطيه لنا ربنا ونعتقد أن ماأعطانا خالقنا ماهو الا المكتوب لنا وأن أهل الآرض لو اجتمعوا على أن يضرونا بشيء فلن يكون الا بالذى قد كتبه ربنا علينا ولو اجتمعوا على ان ينفعونا بشيء فلن يكون الا بالذى اراده لنا .
أمهلنا أيها الحبيب نريد أن أن نتدرب فيك على برنامج الاستعداد ليوم الرحيل من دنيا لاتساوى عند الله شيئا , حقيرة ذليلة , من أرادها أعطاه الله إياها ومن تزهّد فيها ورغب فيما عند الله أعطاه الله خيرى الدنيا والآخرة .
دعنا قليلا نستعد لتلك اللحظة الفارقة فى حياتنا والتى من بعدها سيتحدد المصير إما الى جنة – جعلنا الله والمسلمين جميعا من روادها – أو الى نار – اعاذنا الله وآبائنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأبنائنا والمسلمين منها - .
ماذ فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك ؟
فرُبّ كلمة بسيطة أو موعظة عابرة من إمام فى المسجد بعد الصلاة أو قبلها أو بينها – رب هذه الموعظة تحقق لنا آمالا وتسعدنا سنينا وتنجينا نجاة وتزحزحنا عن النار .
فالخطباء والعلماء والوُعّاظ فيك يتحفونا برقائق , ويلهبوا مشاعرنا فى دقائق , ويأخذوا بأيدينا لنرى المصفوف من النمارق , ويصعدوا بنا الى السماء فوق الخلائق , ويقربونا زلفى الى الله الكريم الخالق .l
دعهم قليلا أيها الحبيب فمواعظهم فيك لها مذاق محسوس ملموس قد يختلف عن غيرك من الشهور
فمجرد أن يصدح الواعظ بتوجيه أو يوجه بارشاد أو يُرهّب من نار أو يُرغّب فى جنه , تجد آذانا صاغية ونفوسا كلها طواعيه , وكأن الطير على الرؤوس وتجد الجميع يسرح مع رب عظيم كريم قدوس .
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خُطاك ؟
فالنافلة فيك بفرض والفرض فيك بسبعين .. أنجد خيرا مثل ذلك فى غيرك من الشهور ؟ بالطبع لا
اذن حنانيك علينا صبرا قليلا .. نريد زيادة الرصيد ليوم الحساب ليوم الوعيد .
نريد التمرّس فى هذه الروضة العجيبة من الحسنات المجيدة .. دعنا امهلنا انتظر قليلا .
نراك عزيزا فى الوصول عزيزا عند الاستضافة وكأنك تعمل بالحكمة التى تقول : زُر غُبا تزدد حبا .
أتريد أن نزداد لك حبا ؟
نحن والله نحبك ونعشقك ونحب لياليك وفجرك وظهرك وعصرك ومغربك وعشاؤك ..
لقد تيّمتنا فى حبك يارمضان .. ثم تفاجأنا هكذا بانصرام أكثر من نصفك ... ألست أنت الذى قدمت حالا ومن ساعات قليلة تلقى علينا سلامك وتبهج أيامنا بعظيم مقامك وتسعد نفوسنا بجميل حنانك.
أمّا وإن كان ولابد من رحيلك :
فكن مطمئنا :
* فنسنظل لك مُحبون وبك مُتيّمون .
* سنظل بعهدنا معك على العدل والانصاف حتى من انفسنا .
* سنحاسب انفسنا ونقومها ونهذبها ونربيها كى نعتقها من قيودها .
* سيظل المسلمون يارمضان أخوة متحابون فيما بينهم , لمثلك يستعدون ومن معينك الصافى يستمدون .
* عهدا سنكون لأمتنا أوفياء , بخلقها رحماء , لدعوتها نُصراء .
* عهدا سنكون فى غيرك كما كنا فيك .. ربانيون ان شاء الله لا رمضانيون .
* عهدا ان شاء الله سنحب الصلاة لنقيم بها الدين كما كنا فيك نحبها .
* عهدا سنعض بالنواجذ على النوافل لنزداد بها من الله قربا وشبرا وذراعا .
* عهدا سنعانق القرآن وسنأخذ منه البيان وسنحمله بأيدينا ومع سفرنا واقامتنا سنجعله لنا الرفيق وسنجتهد به فى التطبيق وسنُسعد به الدنيا ونخرجها باذن الله من كل ضيق .
* عهدا سنحب الوعّاظ والخطباء والمصلحين وسنجلس بين أيديهم كما كنا فيك لينيروا لنا دربنا ويساعدونا على اصلاح أنفسنا .. نستسقى منهم الدواء ونستعين بهم على الشفاء .. ولم لا فهم ورثة الأنبياء .
* عهدا سنكون للصومال أوفياء , ولن نوقف ألستنا لهم عن الدعاء , ولن يكون لهم باذن الله الا كل جميل منا وعظيم عطاء .
* عهدا يارمضان سنجتهد أن يُشار لنا بالبنان كى نكون قمما وأئمة فى كل ميدان .
* عهدا يارمضان .. لن نكون جاحدين لمن تفضلوا علينا بخير صَغُر أو كَبُر وسنحبهم ولن ننسى علينا فضلهم ولن ننكر لهم جميلهم .. ولن نكون كالمثل القائل : قططا تنكر من أطعمها .
* عهدا ياحبيب .. سنجعل لربنا من دموعنا نصيبا , نسكبها له رغبة ألا تمسنا نيران ربنا .
سنبكى بكاءا نصحح به مسارنا , لارياء فيه ولا اصطناع بل خالصٌ كله لربنا .
* عهدا .. سنحيا بأخلاق نبيك فى غيرك من الشهور , نتواضع للناس , نكون ذوى احساس ,
نتأدب فى الاختلاف , ويعذر بعضا بعضا عند أى خلاف , لن نصاحب الا المؤمنين ,
ولن يأكل طعامنا الا المتقين , طائعين بذلك قدوتنا رحمة العالمين سيدنا محمد خاتم
الأنبياء والمرسلين عليه من الله صلاة وسلاما له وآله وصحبه اجمعين .
وداعا أيها الحبيب :
* إن كنا نعاهدك لاحساسنا بقرب رحيلك .. فرجاء كن لنا وفياً .
* لاتنسى صحبتنا هناك عند باب الريان فأنت والقرآن تشفعان .
* لاتنسى إمساك أيدينا فقد صمنا فيك وزُجنا زجا من بابك العظيم باب الريان .
* لاتنسى الشفاعة لنا عند ربك , ألا تركنا فيك الطعام والشراب , ألا هجرنا فيك الملذات والشهوات , ألا صبرنا فيك , ألا أحببناك , ألا رافقناك ؟ اذن اشفع لنا .
نستودعك الله رمضان
راجين الله ألا يأذن برحيلك قبل أن يعتق رقابنا من النار .
*( وإنا لله وإنا اليه راجعون )*
الكاتب: نبيل جلهوم